الثلاثاء، 29 أبريل 2008

18-الليلة الأولي، وحيدًا، مع (يعاد)

لقد أقنعت (يعاد) وأختها بأنني لم أكن رأس الخيش. ولكني أصبحت، منذ تلك الليلة خرقة الخيش!
كانت (يعاد) جاءت من الناصرة إلى حيفا دون إذن من السلطة. فهي متسللة. وكانوا يدخلون البيوت، من أبوابها في كل لحظة، بحثًا عن هؤلاء المتسللين. فإذا وجدوهم نقلوهم في ظلام الليل إلى مشارف جنين، في السهل الواقع بينها وبين قرية المقيبلة الذي كان الجيش البريطاني معسكرًا فيه. فلما انجلى عنه خلف لنا فيه ألغامًا كثيرة أضاف إليها عساكر العرب وعساكر اليهود ألغامًا أخرى، وذلك لأن خط المواجهة الأول كان يقوم هناك. فلما وضعت الحرب أوزارها على صدورنا، انفجر أحدها تحت أقدام أولاد صندلة وهم عائدون إلى أمهاتهم من المدرسة. فقتل على الطريق 17 منهم كما جاء في البيان الرسمي، غير الجرحى الذين ماتوا فيما بعد. وفي حينه جمعنا يعقوب وألقى على مسامعنا محاضرة عن الشيوعيين أعداء السامية، الذين يحرضون الناس على الإضراب والتظاهر مدعين أن اللغم هو لغم إسرائيلي.
وقال: بما أن جمعيتنا، اتحاد عمال فلسطين، هي منظمة دمقراطية، في دولة ديمقراطية، فأنتم أحرار في أن تعلنوا أن اللغم هو من بقايا الإنجليز، أو أن اللغم هو من بقايا العرب.
فلما تنطح له زميلنا الشلفاوي (كان مشلول اليد اليمني) وقال إنه قرأ في بيان الشيوعيين أنهم يتهمون الحكومة بالإهمال في تنظيف الطريق من ألغام الحرب، أجابه يعقوب: نعلم أن زوج أختك هو واحد منهم!
فانشل لسان الشلفاوي.
ولذلك اتفقنا على أن بيت أخت (يعاد)، التي لم تترك بيتها وأولادها في الحليصة منتظرة عودة زوجها الذي خرج ذات صباح وهو يقول لها: انتظريني فإنني عائد، ولكنه لم يعد، هو بيت لا مأمن فيه على أختها المتسللة.
واتفقنا، وأنا خافض البصر، أن تبيت (يعاد)، الليلة، في بيتي حيث أفردت لها غرفة خاصة وأنا خائف أن تسمعا خفقان قلبي.
وحلفتني أخت (يعاد) بعرض أختي أن أصون عرضها.
- وهي لك، إذا شئت، فيما بعد، شرعا.
وودعتنا وانصرفت وأنا مبهور الأنفاس وقد تشابك في ذهني عرض أختي الضائع و(يعاد) التي لقيتها فجأة، والتي دخلت إلى غرفتها وأقفلت عليها الباب وأخذت تبكي وتنشج بصوت مسموع، وأنا مستلق على فراشي أمام بابها لا أنام ولا أقوم. لا هي تكف عن البكاء، ولا أنا أكف عن الاستلقاء، حتى سمعتها تنادي:
- سعيد!
فتظاهرت بأنني نائم.
- سعيد!
فحبست نفسي.
فإذا هي تفتح الباب بيننا. فأغمضت عيني. فشعرت بأنها تسوي اللحاف فوقي. ثم سمعت وقع خطواتها وهي تسير الهوينا نحو دورة المياه، ثم تغتسل، ثم تعود من حيث جاءت. وتترك الباب بيننا مفتوحًا فتحًا خفيفًا.
فكيف أقوم الآن?!
ستعلم، حينئذ، أنني مستيقظ. فكيف لم أرد على ندائها? إنها حبي الأول. وبعد هذه الليلة أصبحت حبي الأبدي. (فكيف تركتها تبيت في بيتي، وحيدين، ولم أقل لها كلمة واحدة? قبلة واحدة? هل أنا جبان? فكيف لم أجبن أمام صاحبة سركيس?
فماذا أفعل الآن? وإلى متى أظل مستلقيًا? ولكنني لم أستلق طويلاً.